د. مقبل صالح أحمد الذكير
في الوقت الذي تشير فيه تقارير الاتحاد الدولي للنقل الجوي إلى تربع منطقة الشرق الأوسط المرتبة الأولى عالميا في نسبة نمو حجم الحركة الجوية، حيث سجلت زيادة بنسبة 18 في المائة، ما زلنا نتفنن في تفويت استغلال هذه الفرص لمصلحة شركات طيران شقيقة لا يزيد عمر بعضها عن 14 عاما. قبل نحو خمسة أشهر دعاني المهندس عبد الله رحيمي رئيس الطيران المدني السابق لحفل غداء على شرف رئيس طيران الإمارات الشيخ أحمد بن مكتوم، الذي حضر ليسهل لشركة طيران دبي الاقتصادية «فلاي دبي» الحصول على تراخيص فتح خط جديد لها بين أبها ودبي، لتستثمر الطلب على هذا الخط من جهة، ولتعمل هذه الشركة من جهة أخرى علي خدمة الشركة الأم «طيران الإمارات» بتوفير عملاء محتملين لوجهات دولية أخرى. وهكذا بعد أن كانت خطوطنا الجوية تتربع على عرش الخطوط العربية سنوات عديدة، ينتهي بها الوضع إلى ما هي عليه الآن.
صناعة الطيران بشقيها النقل الجوي والمطارات أصبحت صناعة ذات قواعد وأساليب فنية مرعية يكمل بعضها بعضا، ونحن للأسف لدينا مأساة في كلا الجانبين فخدمات خطوطنا الخارجية أصبحت تثير الشفقة والحسرة على أيام مجد خالية. إلا أن وقعها يظل أخف وطأة لأن البديل أمام الناس دائما متاح، وهو بديل أفضل مما تقدمه خطوطنا سواء من حيث سهولة وجودة الحجوزات، أو من حيث حداثة الطائرات وجودة الخدمات على متنها، أو حتى من حيث عروض الأسعار الأدنى دائما وأبدا من أسعار خطوطنا.
أما المأساة الكبرى فهي في المستوى المتردي الذي بلغته خدمات النقل الجوي الداخلي لناقلنا الوطني، فقد غدا وضعا محزنا ومحيرا بدرجة كبيرة لكل مراقب ومستخدم وغيور على سمعة وأداء خطوطنا الجوية. وحال مطاراتنا لا يقل ألما، فبيئة صناعة النقل الجوي في المملكة أصبحت طاردة وما هجرة الشركات السعودية للدول المجاورة إلا خير دليل على ذلك بيد أني لن أتحدث في هذا المقال عن مطاراتنا، ولن أقارنها بخدمات المطارات العملاقة في الدول المجاورة، ولا حتى بمطارات دول عربية أخرى بنت مطاراتها بمساعدة مالية سعودية، لأن المقارنة حينها ستصبح محبطة ومؤلمة، والحديث عنها غدا من التكرار الممجوج. لكننا لن نمل الحديث عن مشكلة تردي خدمات النقل الجوي الداخلي فما لنا عن ذلك بد، لأن الناس بمقدورهم أن يتحملوا مطارات بخدمات متهالكة حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، لكن يصعب عليهم تحمل قصور كبير في خدمة النقل الجوي في بلد متباعد الأطراف لا توجد به خدمات نقل بري عامة جيدة ومتطورة.
كان واضحا منذ عدة سنوات أن الطلب على خدمات النقل الجوي الداخلي أخذ ينمو بشكل متسارع يفوق إمكانات العرض المتاحة. وتكونت مع الزمن ثغرة أخذت للأسف تتسع نظرا لجمود العرض وتردي الخدمة، الأمر الذي أثر في مصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية بدرجة كبيرة. الحال المؤسف الذي وصل إليه النقل الجوي الداخلي دفع مجلس الشورى لتوجيه انتقادات حادة في الأسبوع الماضي لأداء الخطوط السعودية بسبب إخفاقاتها المتكررة في السنوات الأخيرة وفشلها في تلبية الطلب المتزايد على مقاعد الرحلات الداخلية، بجانب تردي خدمات الحجز بشكل دائم وليس فقط في فترات المواسم والإجازات. ومع التسليم بالتحديات التي تواجه الخطوط السعودية، إلا أن الواقع المرير الذي وصلت إليه خدمة النقل الداخلي كان يقتضي علاجا سريعا وإجراءات استثنائية حتى لو كانت إجراءات مؤقتة، ريثما تحل الخطوط السعودية مشاكلها المتراكمة إما جزئيا أو كليا. ومن الإجراءات السريعة التي كان يمكن اتخاذها بشكل عاجل السماح ـــــ وفق ترتيبات معينة ـــــ لشركات الطيران في دول الجوار بتسيير رحلات داخلية. أوروبا تسمح بذلك، وأمريكا تسمح بضوابط. اكسروا الاحتكارات وارحموا من في المطارات يرحمكم من في السموات!
https://www.aleqt.com/2011/04/23/article_530049.html