دول آسيا تنتج أكبر قدر من مكونات طائرات الركاب لبوينغ وإيرباص
طائرات الغرب تحلق بأجنحة أسيوية
،، تناقلت وكالات الأنباءالعالمية والمحطات الاخبارية الفضائية صفقة الشراء التي تمت ما بين الصين وفرنسا (المقر الرئيسي لشركة ايرباص) لحقوق تجميع وتصنيع 150 طائرة من طراز ايرباص A320 المتطورة ذات الممر الواحد محليا في الصين والتي تكلفت 10 مليارات دولار أميركيوالسبب الرئيسي الذي دعا لتسليط الضوء على مثل هذه الصفقة الكبيرة، هو لدخول المصنعالأوروبي في تنافس جديد مع غريمه الأميركي في مجال نقل التكنولوجيا المتعلقة بصناعةالطائرات الى القارة الآسيوية والتي يتوقع الكثير من الخبراء الغربيين (أميركيينوأوروبيين) من أنها قد تشكل منعطفا خطيرا سيؤدي في النهاية الى ظهور منافس ثالث للشركتين الأميركية والأوروبية في المستقبل ومن يدري قد ينافس انتاجهما تكنولوجيا واقتصاديا من ناحية تدني السعر وبالتالي جر العالم الى تنافس تجاري خطير. فهل سيؤدي نقل تكنولوجيا الصناعات الجوية لآسيا الى ظهور عملاق صناعي جوي آسيوي؟،،..
لو عدنا بتاريخ الطيران الى الوراء، وتحديدا في أواخرالثلاثينات لوجدنا أن اليابان كان لها دور ريادي في هذا المضمار لكن قبل هذا ذكرتروايات صينية قديمة لا تخلو من الحقيقة أن نبيلا صينيا هو 'وان هو' امتطى في القرن السادس عشر الميلادي طائرة ورقية عملاقة ربط اليها 47 صاروخا وقام عبيده باشعالها. ولكن بدا أن عطلا فنيا أو تخريبا ما أدى الى تدمير ما صنف على أنه أول طائرة صاروخية في التاريخ والى القضاء على طيارها 'وان هو' الذي لم يعثر له على أثر. ونعود لليابان مرة أخرى وعشية انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت اليابان قبل هذا الوقت تنتج طائراتها وحدها دون الاستعانة بالغرب، حيث كان لها قاعدة صناعية جوية كبرى، لكن هزيمتها بتلك الحرب أخرتها عن استمرار دعم تلك الصناعة، لكن مرحلة الستينات شكلت اعادة بعث الصناعات الجوية اليابانية ومعها آسيا من جديد.
التأثير الآسيوي
استحوذت قارة آسيا وتحديدا دول الشرق الأقصى على أعلىطلبيات من طائرات الركاب خلال الفترة الأخيرة فخلال الأشهر الماضية تقدمت الصينبطلبات بقيمة 9 مليارات دولار لشراء طائرات بوينغ 737 من الجيل الحديث وبحلول عام 2022 من المتوقع للصين أن تصبح ثاني أكبر سوق للطيران في العالم. وكان 40 % منالطلبات الجديدة على طائرات الركاب من نصيب آسيا، مقارنة بنحو 17 % من أوروبا و11 % من أميركا. ولها نصيب كبير في طلب طائرات الركاب العملاقة من فئة ايرباص A380 حيثشكلت 47 طلبية من قبل شركات طيران آسيوية بحتة مثل السنغافورية (20 طائرة) والماليزية (6) والتايلندية (6) وتشاينا سذرن الصينية (5) والكورية الجنوبية (5) وهناك كينغ فيشر الهندية (5) ولعبت تلك الشركات دورا رئيسيا في ظهور مثل هذا النوعمن الطائرات الفائقة السعة. كما أن هناك طلبية كبيرة من طائرات بوينغ الأحدث 787والتي تشارك عدة دول هناك في صنع أجزاء مهمة سيأتي ذكرها في السطور التالية وبلغ حجم الطلبات من قبل الشركات الآسيوية فقط 254 طائرة من 651 طلبية. وهذا الحجم من الطلبيات يعود لتحقيق شركات الطيران الآسيوية أرباحا بلغت في السنة الماضية (2005) المليار دولار أميركي، فقد اثبتت الطبقة الوسطى الجديدة التي ظهرت مؤخرا في آسيا وتحديدا الصين، أنها المحرك الرئيسي نحو ازدهار وانتعاش سوق النقل الجوي العالمي والسياحة للعقدين القادمين وهذا بدوره يساهم في دعم الصناعات الجوية هناك من خلال حقوق تجميع أو تصنيع أجزاء ومكونات طائرات الركاب الغربية وخصوصا أن اليد العاملةبها رخيصة، فهي تشكل 20 % من حجم التكاليف في حين تشكل في أوروبا 30 % وفي أميركا 38 %.
الدور الياباني
على مدى أجيال سعت الحكومة اليابانية والشركاتالصناعية الثقيلة هناك الى تأسيس قوة صناعية جوية باليابان وحديثا استثمرت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في اليابان 76 مليون دولار في 3 دراسات ضخمة حول احياء قدرة البلاد على بناء محركات نفاثة وطائرات ركاب اقليمية نفاثة من فئة 100 مقعدووقعت عقدا مع فرنسا لتطوير تكنولوجيا طائرات الركاب الأسرع من الصوت لتخلف الكونكورد التي خرجت من الخدمة منذ 3 أعوام لكن المشروع الأبرز الى جانب كل هذا هومساهمة الصناعات الثقيلة اليابانية في صناعة طائرة بوينغ الأحدث 787 'دريملاينر' فبفضل عقود تصنيع أجنحة البوينغ 787، باتت شركة يابانية هي 'توراي'، زعيمة عالميةفي التصنيع بالمواد المركبة (ألياف الكربون) والذي يشكل المكون الأساسي لبدن وجناحهذه الطائرة، بدلا من معدن الألمنيوم الذي هو أثقل وزنا وقابل للتآكل. والمقاولوناليابانيون يشحذون أيضا مهاراتهم في تصميم أجنحة 'الدريملاينر' الى حد، سيتفوقون بهقريبا على الهندسة الأميركية، كما يخبر عن ذلك المحللون، فأكثر من 35 % من أجزاءالبوينغ 787 بما في ذلك الأجنحة، يجري صنعها في اليابان. ويشكل هذا ارتفاعا عن نسبة 15 % من مشاركة اليابان في صنع طائرة البوينغ 767 عام 1982، و20 % من مشاركتها فيصنع البوينغ 777 عام 1995. ونسبة 35 % تلك ترجع الى التقدم الرهيب الذي أحرزهاليابانيون وخصوصا تلك الشركة لديهم في مجال صنع المواد المركبة وتوافر الآلاتالمناسبة لتشكيل تلك المواد المركبة والتي لم تتوافر في بوينغ، وكي ينتجوها ستكلفهم.
دعم حكومي للصناعة
ثمة أمر آخر لتوجه بوينغ الى الصناعة اليابانية،وهي العلاقة الوثيقة ما بين الصناعات الأميركية وبين اليابان، والتي أعطت بوينغ حصة قدرها 96 % من السوق هناك وفي الوقت نفسه تستفيد بوينغ بشكل غير مباشر من الدعم الذي تقدمه الحكومة اليابانية لشركاتها المحلية التي تساهم في تصنيع أجزاء طائرات بوينغ. منذ عام 1978 الى عام 1983، غطت الحكومة اليابانية نصف تكاليف تطوير الأجزاء التي تم صنعها خصيصا لطائرات بوينغ 767 في ذلك الوقت وفي التسعينات قدمت الحكومةاليابانية دعما بلغ 60 مليار ين من مجموع 104.5 مليارات ين أنفقته الشركات اليابانية التي شاركت في صنع أجزاء طائرة البوينغ 777 اذا فمن البديهي أن تكون أولطائرة ركاب يابانية مصنوعة كليا من المواد المركبة، خصوصا أن التوقعات تشير الى أنالطائرة البديلة للبوينغ 737 (قد تسمى 797 أيا كانت) ستصنع هي الأخرى من المواد المركبة ولكن في اليابان وليس في معقل بوينغ في سياتل بأميركا فهل ستصنع اليابان طائرات بوينغ في المستقبل؟.
الدور الصيني
للصين دور ريادي في مجال تجميع أجزاء ومكونات الطائرات، وقد بدأت الصين بالدخول الى هذا المضمار في الخمسينات،وكان انتاجها مقتصرا على نسخ عسكرية من الطائرات المقاتلة الروسية من فئة 'الميغ'. أما في مجال انتاج أجزاء الطائرات المدنية فانها تأتي في المرتبة الثانية بعد اليابان وبدأت ذلك مع الانفتاح في الثمانينات، ومن الناحية التكنولوجية لا تزالالصين متخلفة عن ركب اليابان بسنوات فان محاولتها الوحيدة لصناعة طائرة ركاب هي Y-10، والمستندة الى بوينغ 707، فشلت في تحقيق مبيعات. لكن الصين برعت في أن تكون قاعدة عالمية لخطوط التصنيع لمكونات الطائرات (كأجزاء لطائرات البوينغ) وكذلك كخطوط تجميع لطائرات كاملة بترخيص كما أعلنت ايرباص مؤخرا عن انشاء خط لانتاج طائراتها الواسعة الانتشار من طراز A320 في الصين، وهو الأول للشركة على الاطلاق خارج أوروبا. وعمل التجميع الذي ستقوم به الصين لحساب ايرباص هو عمل أقل تطورا بكثير من تصميم الأجنحة الذي تؤديه اليابان لحساب بوينغ فهي قادرة على أن تتعامل مع تجميع طائرات معدنية من مثل A320، ولكنها ما زالت لا تمتلك المهارات اللازمة لصناعةالأجنحة المصنوعة من المواد المركبة كالتي تصنعها اليابان كما أسلفنا الا أن طموح بكين يشهد نموا كبيرا نحو تحقيق الحلم بتصنيع طائرة بالكامل في الصين وهو ما تمثل بمشروع الطائرة الاقليمية النفاثة ARJ-21 التي سترى النور مطلع عام .2010
ثورةعلى وشك الظهور
في المستقبل القريب، يتوقع المحللون أن ايرباص وبوينغ ستستحوذان على صناعة الطائرات ذات الحجم الكبير والعملاق من الطائرات، تاركتين المجال لدولأخرى كروسيا والصين والهند والبرازيل وكندا لتتنافس فيما بينها على صناعة الطائرات الأصغر حجما، ذات 150 مقعدا فما تحت ومن المعادن، بينما مع انتقال تكنولوجيا حيوية كصناعة الأجنحة بالكامل من المواد المركبة لطائرات متطورة مثل البوينغ 787 فان اليابان يتوقع لها أن تدخل في تنافس حقيقي مع ايرباص وبوينغ لصنع طائرات متفوقة ومتطورة مصنوعة بالكامل من المواد المركبة، وربما طائرات أسرع من الصوت ذات أداء تشغيلي اقتصادي كما يحدث الآن من تطوير لمشروع الطائرة الاختبارية الأسرع من الصوتاليابانية، والتي قد تحدث ثورة بجميع المقاييس اذا ما تم لها النجاح. ويمكن لعملاقآسيوي يتألف من اتحاد ياباني وكوري جنوبي وصيني في مجال الطيران والفضاء أن يستفيد من الصلات السياسية والتجارية الوثيقة مع الأسواق المزدهرة في آسيا والشرق الاوسطمن السيطرة على أسواق الطائرات في العالم.