البيان المقتضب الذي أصدرته الهيئة العامة للطيران المدني عن الحادث المأساوي، الذي وقع في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، يكشف قلة حيلة الهيئة وعجزها أمام تراكم مشاكلها. حادث غريب وفريد، ويندر حدوثه في مطارات أي دولة مهما كان واقعها التنموي، أن تدهس عربة أرضية مسافرين داخل صالة انتظار المسافرين. مقالات عديدة كتبتها في الماضي عن الفوضى في مطاراتنا، وبالأخص مطار جدة، حيث وصلت الفوضى ساحة الطيران ونتج عنها الكثير من الحوادث، آخرها هذا الحادث الغريب. حركة حافلات الركاب بالقرب من الطائرات فوضى، وحركة المعدات الأرضية فوضى، والساحات تعج بالمخلفات الصناعية وغير الصناعية، وإن ركزت قليلا فسترى حتى أعقاب السجائر في ساحات خط الطيران. حوادث مطار جدة لا ولن تنتهي إن استمرت الهيئة كما هي عليه الآن، تائهة بين الثانويات البراقة كصالات التنفيذيين والأسواق الحرة، والأولويات الأساسية كالسلامة والانضباط وفاعلية المطارات وراحة الركاب جميعا مهمة مهما اختلفت درجات إركابهم. هناك علاقة بين حوادث الطائرات وسوء إدارة الخطوط الجوية التابعة لها تلك الخطوط، ولهذا تكثر حوادث الطائرات في دول إفريقيا، حيث الفساد المستشري وسوء الإدارة، بينما تقل وتضمحل في الدول ذات الأنظمة العدلية المحكمة والشفافة مثل الولايات المتحدة وأوروبا. في عالم المطارات قل أن تكون هناك علاقة بين سلامة المسافرين داخل مرافق المطار وسوء الإدارة، لانتفاء أسباب وقوع الحوادث أصلا، عدا الإرهابية منها، أما أن تتفشى الحوادث الصناعية في مطار جدة فإنه دليل على سوء في الإدارة، يجعل منه المطار الأسوأ في العالم. حتى إن حاولت الهيئة التملص كعادتها برمي المشكلة على جهة ثانية، فإن الجهة الثانية مالكة العربة هي نتاج سياستها، التي مكنت احتكار الكثير من مشتقات أعمال صناعة النقل الجوي، ومنها شركة المناولة الأرضية. الهيئة مطالبة اليوم بموقف شجاع يعيد المطارات داخل إطار المعايير العالمية، وإلا قد تحدث مفاجآت غير سارة تأتي من منظمات الطيران الدولية، كما حدث لإدارة الصيانة في "الخطوط السعودية". إن أول خطوة على الهيئة تنفيذها هي استحداث منصب المدير التشغيلي للمطار، وإسناده إلى الجيل الشاب المؤهل وتكليفه بجميع المهام، أما مديرو المطارات الدولية الحاليون فيكفيهم المنصب التشريفي، واستقبالات ضيوف الدولة.
رابط المصدر